
سقوط العاصمة
ها أنا أستعرض شريط حياتي الذي صورته منذ بدأت
ها أنا أودع آخر ما حلمت به
هاأنا أودع آمالي
بعد أيام سيضيع هذا الشريط وستحترق جميع الصور
بعد أيام ستسقط العاصمة
يومان فقط وستسقط عاصمتي التي لم ألبث أن أقوم ببنائها حتى هدمت فوق رأسي
هناك من يحاول هدمها، هناك من يحاول تدمير حياتي
هناك من سيبيع ذكرياتي ليشتري سعادته
هناك من يحاول أن ينسيني عذلبي الممتع ليرضي شهرياريته
إنه ظلم ذلك الذي يفعلونه بي
ظلم أن يهدم ما عمرته دون أن أؤذي أحداً
لقد قمت ببناء دولتي الخاصة بعيداُ عن الالم وسكنت بها وحدي، وأدخلت عليها بعضاً من تجاربي بل ربما كلها لأضيف نوعاً من الزخارف والزينة النادرة
ولكنني قبل شهرين فقط شهدت الذكرى الخامسة على تأسيسها وتشييدها
وبنفس الوقت شهدت بداية لذكرى سقوطها
عظيمة هي تلك اللذة التي يشعرون بها الآن
إنني أرى ذلك من خلال نظراتهم وأسمع ذلك عبر كلماتهم
وعظيم هو ذلك الألم الذي يحاصرني الآن ويمنعني من الهروب
فهم لم يكتفوا بإسقاط عاصمتي وإحتلالها
بل عمدوا إلى أسري
لقد أسروني بين خيالاتي
لقد شعرت البارحة بروعة ما بنيت من أبنية وما وزعت في أسواقها من حلي فلسفية نفيسة
والبارحة أيضاً حصدت ثمار ما زرعت في مدينتي
لكنني صحيت اليوم لأرى بنادق الأنانية تطل من أسوار المدينة
صحيت اليوم لأجد سلطة الإقطاعيين قد سيطرت على كل ما أملك بعد أن جردتني منه
الفائدة الوحيدة التي سيجنونها من ذلك هو القضاء على حياتي في أولى مراحل حياتي وقتلي بعد مولدي بأيام قليلة
لتطمئن نفوسهم الدنيئة
قبل شهرين تشردت في شوارع المدن الغريبة كالمتسولين
قبل شهرين عشت حياة الأيتام
فناموا ملئ أجفانهم تلك الليلة
وأرضوا غرورهم وسقوا غدرهم بألمي
فمبارك عليهم حطامي
وهنيئاً لهم بيأسي
الآن بدأت أدرك مدى ضعف المرأة الذي طالما سمعت عنه
فرغم كل احتياطاتي وجميع إجراءاتي الأمنية
استطاعوا أن يحتلوا مدينتي فقط لأنني امرأة
فلم يجدوا العناء في استغلال نقطة الضعف تلك فكانت مهمة سهلة من إحدى المهمات التي ينفذونها يومياً
رسمت أحلامي وها هي الأيام تمحيها
كتبت تجاربي وها هي الأيام تسكب الحبر فوقها لتشوه حضاراتي
أسست دولتي وها أنا أشهد سقوطها
فرجائي الوحيد في كل ما بقي لي من أيام حياتي
ادفنوني هنا على أسوار عاصمتي بجانب حطام بابها
لا تدفنوا معي شيئاً آخر
فكل ما لدي سقط يوم سقوط عاصمتي
فقط ادفنوني واجعلوني أرقد بسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق